أرشيف

اليمن: الخوف من العدوى

  6 أكتوبر- 2009

بعد أن تم إهمالها طويلاً بجانب الباب، وضع انتشار الصراع اليمني المملكة العربية السعودية في موقف دفاعي في الوقت الذي تبحث فيه عن طريقة ما تمنع من خلالها تمرد البلاد المضطرب من زعزعة المنطقة.

———————————————————————

احتفظت المملكة العربية السعودية بعلاقة متناقضة مع جارتها الجنوبية المضطربة منذ فترة طويلة. حيث ظلت الحكومة السعودية طيلة سنوات عديدة واضعة في اعتقادها أن يمناً غير مستقراً يصب في مصالحها المثلى، إلا أن ذلك الاعتقاد لم يقال علناً البتة. فقد دأبت سياساتها في كثير من الأحيان بشكل نشط لتحقيق تلك الغاية.

 

إلا أن هذا الموقف قد أودع الآن في طيات الماضي. في شهر أغسطس الماضي، حاول مواطن سعودي، ينتمي إلى تنظيم القاعدة، اغتيال الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية. وكان مهاجم الأمير قد دُرب في اليمن وشن هجومه منها، وأكد الحادث للسلطات السعودية ما يعرفونه بالفعل: أن عدم الاستقرار في اليمن اليوم يشكل تهديدا أمنياً خطيرا على أمن المملكة العربية السعودية.

 

إلا أنه من المفترض أن تتحمل السلطات السعودية بعضاً من اللوم فيما يخص المعتدي على الأمير محمد كونه كان في اليمن أولاً. لقد كان جهاز أمن الدولة السعودية، قبل كل شيء، ناجحا للغاية في تطهير أراضيه من قاطنيها الجهاديين- المتشددين الإسلاميين- من خلال برنامج تأهيل صمم لإعادة دمجهم مجددا في المجتمع.

 

وفي حين أن النواة الصلبة للجهاديين قد قاومت هذا البرنامج، إلا أن معدل العائدين من بين أولئك الذين قد تم "تخريجهم" يقدر بنحو 10 في المائة في أسوأ الأحوال. وقاد نجاحها في ذلك إلى عودة غالبية السجناء السعوديين من السجن الأمريكي في خليج غوانتانامو في كوبا، حيث تم إعادة 138 من السعوديين الذين كانوا محتجزين في غوانتانامو ، ولم يتبقى منهم سوى 13.

 

لعبة القنبلة الفدائية

 

وبالرغم من ذلك، إلا أننا نجد النهج الذي تتبعه المملكة العربية السعودية لم يقض على هذه المشكلة تماما، وإنما عملت على تشريدها ليس إلا. إن الجهاديين السعوديين، العصيين على الموت، قد أعادوا تنظيم صفوفهم بالبوابة القريبة (اليمن)، التي ظلت منذ فترة طويلة ملاذا للجهاديين الأجانب، جذبتهم المناطق النائية للبلاد التي تقع خارج سلطة الحكومة ، كما أن اليمن قد فقست نسلها الخاص من المتشددين.

 

وهكذا التقتا هاتان المجموعتان معا في وقت مبكر من هذا العام لتنشئ كادراً جديداً متشدداً يدعى "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" تحت قيادة ناصر الوحيشي، اليمني الذي كان سابقا ملازماً لأسامة بن لادن في أفغانستان. حيث عين اثنين من السعوديين نواباً له، وكلاهما قد أفرج عنهما من غوانتانامو أولاً ومن ثم من البرنامج السعودي لإعادة التأهيل. وكان أول ضحايا "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، في شهر مارس من هذا العام، أربعة سياح من كوريا الجنوبية، تم نسفهم عبر مفجر انتحاري في مدينة (شبام) التاريخية في حضرموت.

 

وإذا كانت هناك من حاجة لمزيد من الإثبات بخصوص مساهمة اليمن في الشبكة العالمية للجهاد فإن المرء لا يحتاج من أن ينظر إلى أبعد من معسكر خليج جوانتنامو الذي يضم نحو 100 يمنيا ما زالوا نزلاء هناك، والذين يشكلون أكبر تجمع من جنسية واحدة، بنسبة أكثر من 40 في المائة من السجناء المتبقين، والذين أصبحوا في الوقت الحالي مصدر إزعاج سياسيي جدي لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما إذا ما نظرنا إلى واحدة من تعهدات حملته الانتخابية الرئيسية، وهي إغلاق معسكر غوانتانامو في غضون سنة من توليه منصبه.

 

ومع ذلك، إلا أنه لا يريد أن يعيد اليمنيين إلى اليمن، حيث أن إحجامه لا يرتكز فقط على نفوذ تنظيم القاعدة المتنامي داخل البلد، بل أيضا على سجل اليمن السيئ في التعامل مع المجاهدين والقبض عليهم، فعلى سبيل المثال ، ظل ناصر الوحيشي ما بين القفل والمفتاح من قبل، إلا أنه أقدم في عام 2006، ضمن  22 آخرين من المشتبه بهم في تنظيم القاعدة، على الهروب من سجن مثير في صنعاء، وكان قاسم الريمي واحداً من بين زملائه الهاربين، الذي أصبح في وقت لاحق مشتبه به في التخطيط لشن عملية هجومية على مجموعة من السياح الأسبان في يوليو 2008، والتي أسفرت عن مقتل سبعة أسبان واثنين من مرشديهم اليمنيين.

 

وفي الوقت الذي كانت فيه اليمن قد أظهرت رغبتها بالاحتفاظ بالجهاديين في السجن، ما لبث برنامجها الخاص بإعادة التأهيل أن اثبت فعالية قليلة جداً. وبينما كانت اليمن، في حقيقة الأمر، ذي تجربة رائدة في إعادة التأهيل؛ تم الإشادة به في البداية، إلا أنه أظهر في وقت لاحق أنه كان معيباً، فسرعان ما عاود 'الخريجون" اليمينيون ظهورهم بين المسلحين في العراق.

 

صراع البلد الداخلي.. أرضاً خصبة

 

إن توفير فرصة لـ "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" لالتقاط أنفاسه هي أوسع فتنة داخلية في اليمن. وفيما يخص مخاوف انتشار الاضطرابات في جنوب البلاد، فقد تم حجبها عن طريق تكثيف الصراع في الشمال. إن التمرد المتقطع والمستمر منذ عام 2004 قد قاوم كل المحاولات الرامية إلى تسوية تفاوضية، فكلا من الحكومة والمتمردين- مجموعة من أتباع المذهب الزيدي الشيعي الذين يسعون لإحياء الإمامة اليمنية؛ التي كانت قد جرفت في الحرب الأهلية اليمنية عام 1963، قد تراجعا عن عدد من اتفاقات وقف إطلاق النار. وبالنظر إلى الجولة الأخيرة من القتال، فإنها الأكثر شراسة من أي وقت مضى، حيث وصل عدد الوفايات إلى الآلاف، وقد شرد أكثر من 150،000 من السكان المحليين.

 

لقد غار الصراع، بشكل لم يتم تجنبه، في نسيج تشكيلات مجتمعية أخرى، فحتى القبائل المحلية السنية قد حملت السلاح جنبا إلى جنب مع الزبدية، إنني مرعوب من هذا التدمير المتعمد الذي تسببت به الحكومة، فقد سعت الحكومة من جانبها إلى دعم ما يسمى بالبلد بـ: "الأفغان- العرب"، الذين يعتبرون من المتشددين السنة الراديكاليين الذين اكتسبوا خبرة عسكرية في الحرب السوفياتية- الافغانية خلال ثمانينات القرن المنصرم.

 

إن القلق المتزايد ينبع من حقيقة أن الصراع أيضا يجر أطراف خارجية. فعلى وجه الخصوص ، هناك تكهنات متزايدة بأن المملكة العربية السعودية وإيران هما من يدعمان الأطراف المتحاربة في النزاع ، وهو ما يفتح مخاوف من أن تكون هذه الحرب التي تجري في اليمن هي حرباً بالوكالة بين السنة والشيعة، وبينما تتهم إيران المملكة العربية السعودية بتوفير طائرات مقاتلة لدعم القوات الحكومية اليمنية، تتهم السلطات اليمنية طهران بتقديم مساعدة مالية للمتمردين الزيديين الشيعة.

 

وتعتقد السلطات السعودية بأن لديها سبباً وجيهاً بالانضمام إلى المعمعة إذا ما نظرنا إلى أن الحكومة السعودية تشعر بقلق واضح من مجموعة شيعية على حدودها تستعرض عضلاتها، فهي مذعورة أكثر من أي وقت مضى من التوسعية الشيعية، لا سيما أنها تريد منع الارتباط بين الزيديين اليمنيين والأقلية الشيعية السعودية الإسماعيلية، الذين يقيمون في منطقة نجران، وهي مقاطعة سعودية متاخمة لمنطقة النزاع اليمني.

 

إل أن الأمر المقلق جداً بالنسبة للسلطات السعودية ، كما يتضح من محاولة اغتيال الأمير محمد، هو تعاظم انعدام القانون داخل اليمن والذي بدوره يعزز من حدة مختلف الصراعات في اليمن، ولن يقتصر هذا على توفير المساحة التي تحتاجها القاعدة لإعادة رص صفوفها وإعادة تدريبهم ، ولكنه أيضا ينحرف بتصريف موارد الدولة بعيدا عن مسار مكافحة العمليات الجهادية، وبالتالي فإن إيجاد حل سريع لهذا التمرد العسكري الزيدي، من وجهة النظر السعودية، سيكون في مصلحتها.

 

وبمثل تلك المخاوف التي أولتها واشنطن بشأن أنشطة "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" في داخل اليمن وامتدادها الإقليمي على نطاق أوسع، فإنه ينبغي على واشنطن أن تعمل على أيلولة الصراع الزيدي إلى خاتمة سريعة. ففي أوائل شهر سبتمبر كتب أوباما رسالة إلى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ، والذي ذكر فيها أن "أمن اليمن أمر حيوي بالنسبة لأمن الولايات المتحدة."، ويبدو أن مثل هذه اللغة القوية تشير إلى أن الولايات المتحدة مصممة على عدم السماح لليمن بأن تصبح ملاذا لتنظيم القاعدة.

 

ولم تشر هذه الرسالة أيضا بوضوح إلى لصراع الزيدي ، ما يشير إلى أن واشنطن ماضية في تأييد ضمني لعمليات صالح العسكرية، وعلى الأرجح فإنها تعمل مع المملكة العربية السعودية بشكل سري على مساعدة الحكومة ضد الزيديين، فمن الواضح أن آلام اليمن في الوقت الحالي تشعر الجميع بالقلق.

 

————————————————————

فيليب مكرم: محلل مستقل في شؤون الشرق الأوسط

الرابط:

 

http://www.isn.ethz.ch/isn/Current-Affairs/Security-Watch/Detail/?ots591=4888CAA0-B3DB-1461-98B9-E20E7B9C13D4&lng=en&id=106699

زر الذهاب إلى الأعلى